التذاكر.. طابور طويل من البشر
المحيطين بها يرددون: الكمبيوتر عطلان
-هي منهكه لا تستطيع الوقوف اكثر من ذلك
-الموظف المختص : الكمبيوتر اتصلح
- تردد في نفسها: الحمد لله .... قطعت التذكره
- حملتها قدماها الي الرصيف لترتمي علي احد المقاعد في انتظار القطار جلست شاردة الذهن...... مر عليها شريط حياتها كانما ولدت البارحة... فتذكرت كيف كانت تعيش
حياة عادية..فيها شيء من القسوة ولكنها عادية..و تذكرت وحدتها القاتلة.وكيف ان كل من في بيتها له انشغال ما..ولكنهم يستيقظون فجاة عليها اذا ارادت ان تقوم بعمل
يخصها! كانما حرمّت عليها الحياة وابيحت لهم بكل ما فيها من صح و خطأ ..تذكرت كيف كانت تجلس وحيدة تبكي لوسادتها لا احد يشعر بها لا احد يواسيها......ثم تذكرت
ذاك العريس القادم لها..والذي رحبت به العائلة..وهي نفسها يوجد شيء ما يرحب به داخلها..ربما هو الهروب..ربما كره الوحدة..ربما للتغير..لا تدري
-
فجاة تفيق من شرودها لتجد كل من يعبر بجوارها ينظر لها... - افهم هذه النظرات جيدا...لا يا انت لست من هؤلاء... ولن تحلم حتى بالتحدث معي ......ولا يا انت..لست
اريد النوم..انا مرهقة فقط .......نعم انا لوحدي.. هل هناك مانع؟؟
كل هذه كانت ردود ردت بها بعينيها على تساؤلات كانت في اعين الناس
- تنطلق صفارات القطار معلنه عن وصوله
- تصعد الي القطار وتبحث عن مقعدها ...لقد وجدته ..ااه اخيرا .. تجلس وتغمض عينيها...فقد رات ما يكفيها.. ثم اسلمت نفسها لتعبها فربما يغلبها النعاس..
- كل من راهاه كان يظنها طفلة.. اصغر من سنها على الأقل ب 4 اعوام ....ولكن كل من يتعامل معها يظنها امراة عجوز..من رجاحة عقلها و خبرتها في الحياة ....ومع
ذلك ..فهي لا تملك من امرها شيئا .. ولا تستطيع ان تساعد نفسها في اي محنة..ولكن تفعل ذلك مع الغير!
- وبينما هي كذلك..سمعت ضجة و دربكة بجوارها... اووووه ايجب ان افتح عيني؟؟ .....وفتحت عيناها.. لترى ذلك الشاب المرتبك يحاول المرور الى الكرسي الذي
بجانبها دون ان يوقظها... مرت على شفتيها ابتسامة رقيقة و صغيرة..ثم افسحت له الطريق قائلة.. ...- انا اسفة
-هو: لا انستي انا الأسف فقد ايقظتكي من نومك..
- هي: لا ابدا..تفضل ...
- .وجلس ذلك الشاب بجوارها .. بعد ان وضع امتعته على الأرض بجواره... ثم اسند ظهره للمقعد واطلق تنهيده طويلة.. جعلت هي تفتح عينيها وتنظر له في استغراب
متعجبة من تلك التنهيدة...فقد احست بحرارتها... ولكنها سرعان ما اغلقت عينيها ..و قالت في نفسها لنا رب كريم
- وانطلقت صفارات القطار معلنة عن بدء الرحلة... وتحرك القطار...
- وبنما القطار في طريقه... اذا ضجة في اخر العربة التى يجلسان فيها.. فتحت عيناها لترى ماذا يحدث... فوجدت رجلا كبيرا محملا بالأمتعة وكلما مر من كرسي ضرب احد الجالسين باحد امتعته.. ..وبين تأفف وبين صراخ ..كان يمر ذالك الرجل...الى ان اقترب من مقعدها..وبحركة لا ارادية..وجدت نفسها تبتعد براسها وجسدها الى الطرف
البعيد حتى لا يضربها باحد الأمتعه.. ابتسم الرجل عندما راهاه...ثم القى لها بنظرة شكر..واكمل طريقة ليجلس في الصفوف الخلفية للقطار وبينما هي تعتدل..فوجئت
بالشاب الجالس بجوارها يبتسم.. فقد ارتكزت براسها على كتفه بدون ان تشعر..وذلك عندما كانت خائفة من الرجل...
- قالت بسرعة وفي ارتباك -انا اسفة..لم انتبه..انا..انا..اردت فقط ان....
- قاطعها قائل:ا....لا عليك...وتلك الأبتسامة الهادئة على وجهه عادت الى كرسيها براسها..والأفكار تتصارع في عقلها من شدة الخجل احست بارتباك شديد مما
حدث..ولكنها حاولت ان تهديء نفسها قائلة...انه قدر موقفها
..
- ثم عاد الهدوء مرة اخرى الى العربة... لم يقطعه سوى صوت سعالها عندما بدا احد الجالسين بتدخين سيجارة في القطار حاولت ان تكتم انفاسها ولكن لا فائدة سعالها يزداد
مرة بعد مرة الى ان احست بانها سوف تختنق قامت بسرعة وخرجت من العربة..ووقفت في الممر بين العربات تحاول التقاط انفاسها لتهدئة ذلك السعال القاتل... ارتكزت
بذراعها علي الشباك..في محاولة منها لأستنشاق اكبر قدر من الهواء.. وبدا السعال يقل تدريجيا
...
- وعندما احست ببعض الراحة..رفعت راسها لتستدير عائدة الى مقعدها...فاذا بها تجده هو خلفها في عينيه كثير من الأستفهام والقلق عليها..وبعض من الراحة عندما احس
انها اصبحت بخير لم تدر ماذا تفعل..بل وقفت حائرة تنظر الى عينيه تسالهما..لماذا جئت خلفي؟؟ بينما ترد عليها عيناه قائلة..افزعتني..اانت بخير؟ تعجبت كثيرا من سؤال
عينيه..ولكنها ردت عليه بنظرة امتنان وعرفان لسؤاله عنها .. وبينما عيناهما تتحدثان...امتدت يده اليها بمنديل معطر قائلا لها...تفضلي..سوف يقلل من السعال
- اشكرك...مدت يدها لتاخذه منه..فهي كانت في حاجة اليه حقا..وبينما يدها ممدودة..اذا بحركة عفوية غير مقصودة..تتلامس يداهما...احست برجفة غريبة تسري في
جسدها..تبعثرة ثم تلملمه..بينما احس هو بارتباك غريب فسحب يده بسرعة في نفس الوقت الذي كانت تقوم فيه هي بنفس الشيء...
- ثم ابتسم هو..قائلا...اتعودتي ان تسافري لوحدك؟
- ردت في نفسها..اذا كنت طول عمري وحيدة ايفرق السفر وحيدة...ولكن لسانها جاوب بالأيجاب..
- هو: الى اين تذهبين؟
- ....لم تدر ماذا تقول...كانت مرتبكه انها لاتريد التحدث اليه فهي لا تعرفه
- يتضرج وجهه بحمرة الخجل
- تشعر انها احرجته بصمتها... تحاول ان تخفف عنه .. فتساله ...الي اين تذهب؟؟
- انا ذاهب الي بلدي في الجنوب لانهي بعض الاوراق والجراءات لاني مغادر البلد.....هجرة...
- هزت راسها دلالة على الفهم...
- ثم ساد الصمت مرة اخرى... كان عقلها يطلب منها الحديث معه..فهي تريد ان تتحدث مع اي انسان عن اي شيء.. بينما حيائها كان يمنعها.. في الوقت الذي كان يفكر فيه
هو كيف يسألها عن سر نظرة الحزن في عينيها؟
- وفي اثناء ذلك..سبقة لسانه قائلا...اسمي هو... وانت.....؟
- -اسمي هي...
- هو : تشرفنا.......
- هي : اشكرك
- هو: ممكن اسالك سؤال؟
- هي : تفضل
- هو : .. لماذا هذا الحزن في عينيك؟؟؟
- صدمها السؤال؟؟ واحست بجراته المتناهية..كما احست بالندم لأنها هي التى جراته عليها.. ووجدت تلك النمرة الشريرة في اعماقها ترد صارخة... اعتقد ان ليس من
شانك ان تسال؟ وان هذه امور شخصية... وانك تجاوزت حدودك
- ارتبك وهو ومادت به الدنيا..اراد ان يخبرها عن سبب سؤاله..
- ولكنها تابعت في انفعال عموما شكرا على السؤال والأهتمام ..والمعذرة...يجب ان اذهب وتركته ودخلت الى العربة...
- وجد هو نفسه وحيدا و الكلمات تتطاير من حوله....لم كل هذا الهجوم؟؟ لماذا تكلمت معي بهذه الحدة.. انا لم اقصد شرا!...اخرج سيجارة وبدا في تدخينها..نادما على ما
قال..لائما لنفسه على ما حدث.. ثم قرر... اطفاء ما تبقى من السيجارة...وذهب الى مقعده...
- اغلقت هي عينيها متظاهرة بالنوم..حتى لا تنفجر فيه غاضبة..
- جلس بجوارها..ثم همس بصوت خجول.. انا...انا اسف لم اقصد شيئا..اردت فقط ان.......... انا اسف حقا... انا غلطان
- نظرت له..بعد ان احست بالصدق في حروفه واجابته قائلة...حصل خير..انا ايضا اسفة..لا ادري لماذا ثرت عليك..ولكن....اعتقد ان شخصيتي هي السبب
- لا لا انا غلطان..اعذريني...واستاذنك في تبديل المقعد..
- لالا لا تقل هذا..
- .قالتها بسرعة غريبة.. جعلته يبتسم لها في هدوء وجعلت وجنتاها تحمر خجلا فازدادت ابتسامته وهو يقول....تمتلكين جمالا طفوليا... ازدادت خجلا...وبدات تسعل في محاولة منها لأخفاء حرجها...
- ثم قالت له...سامحني...
- ابتسم لها قائلا...على ماذا ....... ثم بدا كلامه...عن نفسه... تخرجت من كلية الهندسة منذ سنتين...عائلتي مستورة والحمدلله...لدي ام واخت تصغرني بعدة اعوام.. والدي توفي منذ فترة طويلة... افقت على الدنيا فعرفت معنى المسؤولية..وكيف يجب ان اتحملها حتى اعيش..والدتي لم تستطع العيش وحيدة فتزوجت من رجل قريب لنا...ولكنه اذاقنا الوان العذاب وصنوفه..فلم يكن يدخل بيتنا مليم واحد الا واستولى عليه..وكان دائما يضربنا..وامي لا حول لهاولاقوة...تحملت كل ذلك صاغرا من اجل اختى.. لا من اجل اي شيئ اخر..اما امي فلن اغفر لها ابدا زواجها من ذلك الوحش..بالرغم من انه كان يعذبها دائما.. ولكن..قلبي لن يستطيع ان يسامحها ابدا... ومرت السنين الى ان جاء من يطلب ود اختى.فوافقت عليه هربا من جحيم الحياة...ولكنه كان رجلا بمعنى الكلمة وقد عوضها الله خيرا فيه... اما انا فقد تخرجت...وكانت اسوا ايام حياتي تلك التى كنت اقضيها في المنزل بدون عمل.. فقد كان دايئم التحرش بي و الأهانة
لي.. الى حد ان قررت ان انام في الشارع.. فكنت اعمل في غسيل الصحون وتمظيف القهاوي وغسيل السيارات في الجراج وانام في مكان العمل كل هذه حتى لا اعود الى المنزل...ولن اخبرك كيف كانت حياتي.. ومع ذلك كنت سعيدا راضيا بها...
الى ان اهداني الله برجل طيب..كنت اغسل له سيارته..وجد لي عمل في دولة اخرى.. وها انا كما ترين في طريقي اليها
- احست هي بالعبرات تتجمع في عينيها معلنة عن قرب نزولها على الخدين.. حاولت ان تتماسك وقالت له بصوت متحشرج.. ربنا يوفقك...وتكون احسن مما تتمنى
- اجابها بتنهيدة ثم قال لها اشكرك...
- ارادت ان تحتضن حزنه بين كفيها وان تربت على كتفه فقد احست انها ليست الوحيدة وان هناك الكثيرين ممن يتعذبون مثلها...
- بينما كان يتمنى هو ان يسمع قصتها ويعرف ماسبب ذلك الحزن العميق الذي يسكن عيناها
- ثم اخذا يتبادلان اطراف الحديث عن الحياة والناس والدنيا.. احس كانه يعرفها منذ قرون ..واحست كانها تنتمي اليه
- وبينما هما يتحدثان ما بين شجون وحزن و ضحكات وفرح... كانت عيناه مثبتتان على عينيها يحاول ان يعرف من هي..ماذا بها.. لم كل هذا الحزن؟؟
- وكانت تهرب هي من كل تلك التساؤلات.. ثم فجاة... مدت يدها في شنطتها..واخرجت شطيرة صغيرة مقسومة الى قسمين..وقدمتها له.. تفضل...
- لم يتمالك نفسه من كثرة الضحك حتى ان صوته قد ازعج الكثيرين ممن كانوا في القطار..لدرجة احرجتها واحرجته هو نفسه انا اسف...ولكنك فاجاتيني........انت طيبة جدا..وحنونة
- ارتبكت هي و تلعثمت و سقطت الشطيرة من يدها بنما قفزت يده تلتقطها قبل ان تسقط على الأرض...كل هذا و ضحكاته مازالت مسمترة..
- لم تدر ماذا تفعل ووجدت نفسها تركض الى خارج العربة من الخجل وقفت تتامل الطريق والناس..والمباني.. الى ان شعرت بنحنحة خلفها
- - احمم .. انا اسف...
- نظرت له...و صدم عندما راها باكيه؟؟!!
- ماذا الأن...انا لم اقصد شيئا؟؟؟؟؟ فقط قلت ما شعرت به... لماذا انت بهذه الحساسية؟؟ لن تقدرين على العيش اذا استمريت هكذا... ما قلته كان شعورا صادقا
لا ادري ما الذي يجعلك تبكين...؟ قالها بنبرةغاضبة
- لم تدر هي ماذا تقول..او بماذا تجاوب وفجاة احست ان الدنيا تميد بها..وانا القطار اصبح يدور حولها..و ان الظلام يقترب منها .... تحاول ان تتمالك نفسها..تمر لحظات ...تتطلب منه ان ينصرف ويتركها قليلا.. تنظر اليه اوقد اصفر وجهه خوفاعليها... اطمئن انا بخير
- يعود الي العربه ويجلس في مقعده يملؤه قلق غريب عليها انه يتمني ان يقف الي جوارها
- تمر دقائق ثم تعود هي وتجلس في مقعدها
- يقول كله خوف..... حمدالله على اانت بخير الأن؟
- هزت راسها دلالة الأيجاب..بينما عيناها كانت تسقط تعبا
- لا ادري ماذا اقول ولكن
- قاطعته قائلة..لا تقل شيئا...انا فقط دخت من القطار هذا طبيعي بالنسبة لي
- - احس انها تجامله او تريد ان تزيل الأحراج عنه
- اغمضت هي عينيها ينما لم يرفع هو عيناه من عليها.. كان متعجبا من نفسه.. من قلبه.. ذلك القلب الذي ظن انه تحجر منذ دهر.. تعجب من تلك الأنتفاضة الغريبة.. وما سببها.. معقولة؟ اهذا ما يسمى حب من اول نظرة؟؟ معقولة لم ينكر انه منجذب لها.. ولسر عينيها.. لكنه ايضا لم ينكر انه ربما يكون في بداية حبها وتعجب من نفسه كثيرا.. فهو ليس ذلك الشاب المستهتر الذي يقول هذه الخزعبلات!!
- بينما كان هو يظن انها نائمة... كانت هي تفكر في نفس ما يفكر فيه... فهي لم تكن تطلب من الدنيا غير حب بدون مقابل.. < غير قلب يهواها وتهواه..غير انسان حنون يضمها ويضمد جراحها و تضمد جراحه ولكنها افاقت على حقيقة انهما في الرحلة...وان الرحلة وقت وينتهى وتنتهي معه كل شخصيات الرحلةومع ان قلبها رفض تماما تلك الفكرة.. الا ان عقلها قد اقرها - وبينما هما في شدو جذب.... بين هي و هو.... انطلقت صفارة القطار مدوية معلنة نهاية الرحلة والوصول الى المحطة - - قامت هي من كرسيها ومدت يدها لتصافحه قائلة اتمنى لك التوفيق في حياتك - - وانا ايضا..اتمنى لك التوفيق في حياتك - و في لحظة واحدة نطق الأثنان..."فرصة" سعيدة نعم...فرصة...مجرد فرصة سعيدة ولكنها ستبقى كذكرى ابدية........ولكن........سعيدة
.